يبدوا أن نتائج استحقاقات الثامن من شتنبر من سنة 2021 ستظل عالقة بأذهان كثير من متتبعي الشأن المحلي وستتحول إلى مؤشر قوي على نهاية الإسلام السياسي في المغرب، فالنتائج التي انحدرت بالحزب الذي كان يسير الحكومة لأزيد من ولايتين تشير إلى انتكاسة حقيقية ومذلة للحزب.
وفي سياق الأحداث خرج الحزب لمحاولة تعليل ما وقع بواقعة عدم تسلم المحاضر إلا أن مسارعة الأمانة العامة للاستقالة يؤكد بالملموس أن الحزب اعترف أخيرا بهزيمته وبأن المغاربة الذين منحوه 125 مقعدا هم نفسهم اليوم من دحرجوه إلى أسفل الترتيب.
قد تبدوا واقعة معاقبة الأحزاب أمرا غير جديد في المشهد السياسي المغربي فقد سبق للمغاربة أن عاقبوا حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بعد تجربة التناوب بقيادة اليوسفي مما اضطر هذا الأخير إلى المنفى الاختياري في فرنسا تاركا الحزب يتغبط في صراعات انتهت بهيمنة لشكر الذي فعل بالحزب ما لم تفعل به سنوات الرصاص بحسب تعبير عدد من الاتحاديين الغاضبين.
اليوم يتكرر نفس المشهد فبنكيران اختار العزلة في منزله بحي لليمون مكتفيا ببعض الخرجات على صفحته الرسمية على الفيسبوك.
إن هذه السقطة المدوية للعدالة والتنمية يمكن إرجاعها أساسا إلى ما راكمه المغاربة من خيبات الأمل منذ 2011 عندما اختار المغاربة التصويت بكثافة على العدالة والتنمية مؤمنين بشعار ” ضد الفساد والاستبداد”.
إلا أن هذا الشعار ظل مجرد شعار وانغمس عدد من قيادات الحزب في جني الامتيازات والمناصب تلو الأخرى غير عابئين بالألة الإعلامية التي كانت تحصي عليهم الصغيرة والكبيرة فبدأ الرصيد الأخلاقي للحزب يتأكل تدريجيا وتوالت الفضائح.
وبذلك يكون الاستهتار بالآلة الإعلامية الخطأ الفادح الأول الذي ارتكبه الحزب وقادته وقد سبق وأن لدغ الحزب من جحر الإعلام مرات ومرات ولكنهم لا يعتبرون.
فالإعلام سواءا كان منصفا أو مغرضا فقد استطاع أن يحول العدالة والتنمية إلى ما يشبه الهم الجاثم على صدور المغاربة يتحينون الفرصة لإزاحته وبأي ثمن.
أما العامل الثاني فهو القبضة الحديدية التي أدار بها بن كيران والعثماني على حد سواء العلاقة مع الأصوات المخالفة وهو ما يفسر انسحاب عدد من الأصوات المشاكسة واختيارها الصمت كعبد العزيز أفتاتي على سبيل المثال وغيره، وأصبح الرأي الواحد هو الغالب في الحزب، كما أنه تم إذلال عدد من الفعاليات الشابة ممن كانوا في مواقع التسيير والقرار داخل الحزب، وبدأ النزيف الداخلي يرتفع.
أما العامل الثالث فهو المراهنة على الكائنات الانتخابية، لقد سقط حزب العدالة والتنمية في فخ إباحة ما كان بالأمس يحرمه وينتقده، فقد شن حربا شعواء على أشخاص غيروا انتمائهم الحزبية ووصفهم بأقبح النعوت لكنه في الوقت ذات فتح أبوابه لأشخاص يعلم علم اليقين أنهم مجرد كائنات انتخابية تعمل بمنطق ” الجهة الغالبة ” .
إن المغاربة الذي صوتوا على حزب العدالة والتنمية في 2011 و2016 صوتوا عليه لأنهم كانوا يأملون أن يرتفع منسوب الشفافية والأخلاق في الحياة السياسية حتى ولو كان ذلك على حساب جيوبهم لكن اليوم لم يعد المغاربة يقبلون بخلط الأوراق بل يردون خبزا فقط.