إذا كانت السياسة من حق العموم فإنّ فهم مطابخها تبقى حكرا على أشخاص محدودين، خاصة إذا التهمت بعض المنابر الإعلامية الأحداث العامة و لم تُحسن هضمها!
مناسبة هذا الكلام، هو تهجم مجموعة من الأفاقين و عدمي الضمير على أحزاب وطنية كُبرى و ركوبهم موجة التطبيل خدمة لأجندة اللقط و الريع دون احترام لأخلاقيات المهنة الإعلامية، و متحولين إلى متحورين و وكالة لتصريف مواقف سياسية و شخصية أقل ما يقال عنها أنها الغباء بعينه، و مساهمين بذلك عنوة في تميع الحقل السياسي و ضرب مفهوم السياسة و الصراع السياسي المبني على المطارحات في البرامج والتصورات.
إنّ هذا الاصطفاف إلى جانب مهندسي المرحلة و الذين أخرجوا لنا ممارسات و هياكل فارغة و استعراضية، كشيء طبيعي! لأنّ أصحاب الحال الذين صنعوا ما صنعوا بأيدهم لم يكن لهم طيلة مشوارهم أي تكوين سياسي أو إداري خارق إلا في ركاب أَكَلةِ الأكتاف و حاملي الأظرفة الثقيلة …
غابت الحقيقة إذن عن الشعب العرائشي! لولا بعض الأصوات الكادحة والتي تُحاول ايقاضنا من الخدعة لَكُنا نظن أننا نعيش في الجنة، و إذا كان لكل مناسبة شرط فإنّ شرط كلامي هذا هو تلبية لنداء صديق عزيز مُختص في الغذاء و التغذية و أحد أقارب مسؤول جماعي لمجلس جماعة العرائش طلب مني أن أكتب و أدلي برأي في نقاش عمومي حول (أزمة الحكامة و التدبير بجماعة العرائش)و لدلك فله مني كل هذه الكلمات وهذه الحروف الناطقة (بِلطف)و بلسانه قبل أن يخطها قلمي (صُبحا).
إنّ المغرب_الوطن الذي يُسابق التاريخ من أجل المستقبل لا يُمكن أن يترك ذوي الأهواء الشخصية أن يتحكموا في مسيرته نحو التقدم و الحرية و الديمقراطية و حقوق الإنسان و الكرامة ، كما أنّ المغرب العميق لا يقبل واسطة و الحمد لله بين الملك و شعبه ، و هو ما يمكننا من تسجيل شيء أساسي وهو أن في المغرب أشخاص وجهات مُخلصين للوطن و مصالحه و يقومون بواجبهم ولا أدّل على ذلك من الإدانة القضائية الأخيرة لإقليم (الحسيمة)عبر إسقاط أربعة برلمانين، و هي رسالة واضحة على منهجية الدولة في توازن القوى داخلها ! كما أنّ تقلص الأغلبية بمجلس جماعة العرائش في دورة ماي 2022 و تحول الأغلبية العددية لصالح المعارضة هو كذلك إدانة لمدبري هذه الانتخابات الجماعية بالعرائش و واضعي هذا التطبيق الذي سقط في أول منعرج ما دام خرج من خيمة المُقيم مائلا.
و حتى نجهر بما يتداول سرا بين النخب و بين صفوف الشعب العرائشي فإنّ نُهمة هذا المجلس ليست الفساد و الريع أو غياب الشخصية أو الأغلبية أو المعارضة …بل أنّ تهمته أنه من إنتاج جهات لها قُفزات حريرية استعملتها في ولادة قيصرية سرية و خارج مؤسسات التعاقد، و كأنه ابن غير شرعي لعملية غير شرعية وغير أخلاقية … هذا ما يُقال.
و حتى نفهم موقف (الأغلبية المعارضة)و هي أسقطت (معارضة) مجموعة من النقط كي ترسل رسالتها المباشرة ليس إلى السيد رئيس المجلس فقط بل إلى الجهات التي سهرت على غرفة العمليات، و التي لا زالت ترعى الطفل التي تفرقت به السُبل وهو لم يبلغ بعد الفطام.
ان رئاسة المجلس لجماعة العرائش توجد في موقف محرج، فلا هي قادرة على قطع حبل الصُرة مع الحاضن و إثبات شخصياتها و لا هي قادرة على تجاوز منطق الحلقية و التخطيط التناقضي لجماعة العرائش و سياسة فرق تسود و كأننا أمام تنظيم سري! لكن يُمكن فهم ذلك ما دام أن أصابع أحد الأذرع السياسية و التي لا تُخفي دعواتها للجمهورية و لتقرير المصير للأقاليم الجنوبية و تنشر خرائط المغرب المُقسم عن جنوبه ، أصبح لها أي هذه الأصابع تأثير كبير في تدبير شؤون الجماعة و التدخل في كل المستويات و الملفات و الأدونات و القرارات، و هذا ما يؤكد ما سبق أن قلناه على ضرورة رجوع العرائش إلى جادة صوابها و إلى السياسة العامة التي تُقررها الدولة و ليس الخضوع لأهواء و تحالفات لوبيات تخدم مصالحها.
إنّ المغاربة بالوطن المغربي الكبير و (دياسبورا)تربطهم رابطة خاصة مع العرش المغربي، رابطة روحية قبل أن تكون مادية، و رابطة حب قبل أن تكون رابطة حُكم، و كما قال السلطان العظيم (الحسن الثاني)جلل الله روحه في إحدى خُطبه : (و الله لو علموا أنني أسيرهم كما يُسير بعض القادات شعوبهم كالأكباش، و الله ما أطاعوني)، إنها العبقرية المغربية الممتدة عميقا بجذورها في تاريخ الإنسانية و المشرئبة بطموحها نحو المستقبل و الرفعة و السؤدد.
بقلم : عبد القادر العفسي