وإن كانت الكرة لهوا وترفا زائدا، إلا أنها تفتقت هذه المرة عن دروس وعبر نثر منها بعض الأصدقاء شذرات نفيسة، بحسب ما تخلج في أنفسهم من ملاحظات وأنظار، وأحب أن أضيف إليها ما يلي :
1_ تندرج هذه الدورة كما لا يخفى على أحد في سياق عولمي تتزاحم فيه الأضداد، وتتنافس فيه الهويات على المكشوف، فئة مؤمنة برسالتها، جادة حتى في لهوها، أحكمت مقاصد الدورة، فهيأت الشروط لتحويلها إلى منارة هادية، ومنبر لتجلية قيم الإسلام العظيمة، قيم يتزاوج فيها الجلال بالجمال، والعفاف بالغنى، والعزة بالقوة، ولله العزة ورسوله وللمؤمنين، وفئة تدعو إلى خزي الانحراف، و فظاعات الشواذ، والشرود عن الفطرة السليمة، غاظها أن تُمنع من الترويج لسفاهتها بين ديار قوم مؤمنين، فلم تألُ جهدا في الزعيق والنعيق، متبجحة بحريات لم تفقه مآلاتها، وحداثات لم تدرك فسادها، فنكس الله أعلامهم، وارتدوا على أدبارهم خاسرين لم ينالوا خيرا، وكفى الله المؤمنين شرورهم وأوزارهم.
2_ ومن تلك العبر أن كل اليقينيات بانتصار الغالب الذي ارتضع لذات الغلبة سنين عددا، كلها انهارت على صخرة الصمود العنيدة التي أعربت عنها فرق لم يكن يؤبه لها، وتصدعت أمجاد لم تزل تتلألأ في سماوات الكرة، حتى استصنمت عند الكثيرين، وحسبوا ألا تتهاوى أبدا، فأتتها الهزيمة من حيث لم تحتسب، وسقط في أيديها وهي تتردى من عل أمام الأيادي المتوضئة، والعزائم الفتية الصاعدة.
3_ ومنها أن الدين جزء أصيل من هوية الإنسان العربي، وتبين لكل ذي عينين يبصر بهما بدون تحيز، أن فطرة العربي سرعان ما تتفجر إيمانا وتدينا، نافضة عنها ركام كل الدرك الذي يراد له أن يهوي في مستنقعه الوبيل، لقد رأينا الساجدين المتضرعين الشاكرين وهم يدهشون العالم بذلك الانطراح الجميل العذب الفطري أمام رب العالمين.
4_ ومنها أننا أمة واحدة، رغم بعض الشذوذات، ورأينا كيف يفرح الأخ لانتصار أخيه على تباين الأقطار، وبعد الشقة، فرحا يخرجه عن طوره حتى يهتز فرحا ويرقص تلذذا وحبورا.
5_ ومنها أن المواطن المغلوب على أمره يستطيع أن ينسى ولو إلى حين الأوجاع والضنى والعذابات حينما يفيض وجدانه بالوطنية الغيورة، وقد رأينا كيف يتوحد المواطنون في الفرحة على اختلاف أحوالهم وظروفهم ومراتبهم.
6_ ومنها أن النصر لا يأتي ضربة لازب، بل لا بد من الإعداد الجيد، والتدريب الدائب، والخطة المحكمة.
7_ ومنها أن الرهان على القيادات الأجنبية رهان خاسر، وأنه لا أضر على الشعوب المسلمة من الاستنجاد بقيادات غريبة عن ديننا وهويتنا وثقافتنا.
8_ ومنها أن السياحة الحقة هي تلك التي يأتي فيها الزائر ليستكشف معدن المسلم الأصيل، ودينه العظيم، وحضارته الشامخة، وقيمه الباذخة، وكرم ضيافته العالية، فيزداد إيمانا بعظمة هذا الدين، وسمو المسلم، ورفعة شأنه، فيصغي إلى جمال الأذان وهتاف التوحيد، ويخشع أمام الأفواج المندفعة إلى المساجد، ويهتف من أعماقه هذا هو الدين الحق، ويحمد الله أن قيض له أن يأنس هذا النور عن كثب وهو الغارق في الدياجي التي لا يوصوص فيها هدى ولا نور.
9_ ومنها أن فلسطين في القلب، والعاطفة، لا يخبو حبها، ولا ينضب عشقها رغم المحبطين، والمرجفين في العالم، ولم تستطع كل النكسات والهزائم والصفقات أن تلهي المواطن العربي عن قضيته المركزية، أو تنسيه معركته الوجودية الدائمة. وهاهي القضية الفلسطينية حاضرة بعمق وقوة واعتزاز على أنظار العالم كله في عز معترك كروي قد لا يرى البعض أي وجه لارتباطه بالقضايا المصيرية لأمتنا.
(والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون)
المصطفى أعسو
تعليق واحد
شكرا جزيلاً أخي الكريم على تفضلكم بنشر مقالي المتواضع أعلاه
المصطفى أعسو
أستاذ مادة الرياضيات، ودكتور في الدراسات الإسلامية.