سكينة المهتدي
رغم أن المشرع المغربي سن قانونا حداثيا عرف برقم 103-13، بغرض مناهضة العنف القائم ضد النساء والتكفل بضحاياه، إلا أن القانون الجنائي الصادر سنة 1962 يتضمن مقتضيات تتقاطع وهذا الأخير وتؤثر على تطبيقه، بحيث يتضح تباين كبير وترجيح لكفة التجريم وفق الأصول المجرمة للعلاقات الجنسية خارج إطار الزواج على كفة حماية وإنصاف النساء الممارس عليهن.
واقع قانوني يلقي بتبعاته على نساء من خلفيات متباينة (أمهات عازبات، نساء مُغْتصبات، متزوجات ب”الفاتحة”)، ولعاملات الجنس نصيب وافر كذلك منه، إذ تفضل غالبيتهن عدم التبليغ عن المعتدي خوفا من الملاحقة القضائية، سواءٌ عند تعرضهن للعنف الجسدي أثناء الممارسة مع الشريك، أو خلال ارتكابِه أنواعا أخرى من العنف تجاههن (المادي، النفسي، الإلكتروني..).
مُعنَّفات خارجات عن القانون
حياة شابةٌ في مقتبل العمر من بين كثيرات ممّن يُقدِّمْنَ خدمات جنسية مقابل أجر مادي، اضطرت للتخلي عن كنف العائلة هربا من وصم العار الذي كان يطاردها من قبل المقربين والمجتمع، بعدما ظهر حملها وهي ما تزال قاصرا نتيجة تعرضها للاغتصاب من شريكها الحميم السابق، خاصة وأنَّ الٱخير فضل التّمَلُّصَ من مسؤولياته الأبوية وعدم الاعتراف بالابن البالغ من العمر اليوم 7 سنوات.
تقول الشابة ذات الواحدِ والعشرين ربيعا في تصريح لجريدتنا، إنها عانت كثيرا من أجل الحصول على مدخول شريف يضمن لها العيش بكرامة، غير أن دهاليز الدنيا أبت إلاَّ وأنْ ترمِيَ بها إلى امتهان الجنس بمدينة ورزازات.
“كان علي التضحية بجسدي من أجل طفلي كي نعيش، فلا خيار ثان أمامي”، قبل أن تواصل موضحة: “الناس تحكم عليك من بعيد، دون أن تعرف شيئا عن ماضيك”، مشيرة إلى أن حرفة تقديم خدمات الجنس مجال صعب وكثيرا ما تتعرض فيه المهنيات لمختلف أنواع العنف، دون حسيب أو رقيب.
تحكي لنا حياة التي فضلت عدم الكشف عن إسمها الحقيقي، عن معاناتها مع أحد زبنائها بمغص شديد، “بعدما اتفقنا على الثمن والمكان، توجهت إلى حيث يتواجد لأتفاجأ بعد لحظات بطلباته الشاذة الغريبة من رغبة في ممارسة الجنس الفموي أو من الدبر”، مضيفة: “أحيانا نضطر للخضوع لطلبات هؤلاء الأشخاص، لأننا عادة ما نكون في موقف ضعف”.
في واقعة مماثلة، تقول حياة: “صادفت أكثر من مرة زبناء رفضوا دفع أجر مادي بعدما لبيت رغباتهم الجنسية، ووجدت نفسي عاجزة عن التبليغ لأن القانون ببساطة لا يحمي أمثالي”.
مهنية الجنس وتضارب الفصول
تقرير منظمة “امرأة” الدولية المهتمة بتعزيز حقوق النساء المعنفات، الصادر شهر يونيو الماضي بعنوان: “الحماية بدل السجن”، أثبت في هذا السياق أن القانون الجنائي يستند على وسيلتين: (الاعتراف أو التلبُّس المُحَرر في محضر الضابطة)؛ لإثبات الجرائم المنصوص عليها في المادتين 490 و491 اللتان تعاقبان بالسجن كل علاقة جنسية بين رجل وامرأة لا تربط بينهما علاقة زوجية، إلى جانب المتابعة بالخيانة في حال كون أحد الطرفين متزوجا.
ويكشف التقرير المذكور أن الوسيلتين المعتمدتين لإثبات الجرم المشار إليه، عادة ما تجبر ممتهنات الجنس على وجه الخصوص على التخلي عن فكرة التبليغ لدى المصالح المعنية، بحيث أن عددا كبيرا من “الاعترافات” يستند فقط على شكايات جنائية قدمتها النساء ضد مرتكبي العنف ضدهن.
وبالتالي، ما إن يتبين إقامتهن لعلاقة سابقة بالمعتدي أو (لمجرد التصريح بالمعرفة سابقا)، يتم اعتماد الشكاية المذكورة بمثابة اعتراف ضمني ضدهن، وبدل التصرف معهن كضحايا مشتكيات، يعاملن كمجرمات “اعترفن بجريمتهن”.
معدل إبلاغ السلطات المختصة عن العنف ضد النساء منخفض للغاية. وفقا لبحث أجري سنة 2019 للمندوبية السامية للتخطيط، فإن 57 في المائة من النساء المغربيات هن ضحايا العنف المبني على النوع الإجتماعي، “فعلى إثر أشد حدث عنف جسدي و/ أو جنسي تعرضت له المرأة خلال 12 شهرا الماضية، قامت 10,5 ٪ ضحية عنف فقط بتقديم شكاية إلى الشرطة أو إلى سلطات مختصة مقابل 3 ٪ خلال بحث أجري سنة 2009”.
هذه الأرقام تتعلق طبعا بمختلف أشكال العنف وليس بالعنف الذي يمارس حصريا على مهنيات الجنس، لكنها تمكننا من تصور حجم العنف الحقيقي الممارس على النساء عموما وعلى مهنيات الجنس تحديدا، مقارنة مع حالات العنف التي يتم التبليغ عنها.
تبعا للقضايا المعروضة على العدالة وبناء لتقرير أجرته رئاسة النيابة العامة برسم سنة 2020 حول تنفيذ السياسة الجنائية وسير النيابة العامة؛ من خلال مقارنة بين إعمال مقتضيات القانون 13ـ103 الخاص بمناهضة العنف ومقتضيات القانون الجنائي، فقد اتضح أن هناك ارتفاعا واضحا في عدد القضايا الجنائية الخاصة بالجرائم “الماسة بالأخلاق العامة” مقارنة بنظيرتها المرتبطة بجرائم العنف المرتكبة ضد النساء.
سعيد فكري، المحامي والمدافع عن حقوق الإنسان، ذكر بهذا الخصوص أن المواد 490 و491 من القانون الجنائي، تسهل وتساهم في الرفع من العنف ضد النساء، موضحا: “وهو الأمر الذي يشكل انتهاكًا للمعايير الدولية لحقوق الإنسان، التي بموجبها يقع على الدول التزام إيجابي “بالعناية الواجبة” من أجل الوقاية من أعمال العنف ضد النساء وحمايتهن من العنف إلى جانب متابعة مرتكبي العنف ضدهن؛ علاوة عن الإنصاف وجبر الضرر”.
وأورد فكري في تصريح خص به جريدتنا، “تشكل المادتان المذكورتان من القانون الجنائي انتهاكاً للحق في عدم التدخل في الحياة الخاصة الذي تحظره المعايير الدستورية والدولية، كون أن الدستور المغربي يضمن حق الجميع في حماية خصوصيتهم، وعدم انتهاك حرمة المنزل وكذا سرية الاتصالات الشخصية”.
وتابع المحامي: “تجريم العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج جعل النساء عرضة للعنف المستمر والمتكرر، فبمجرد ارتكاب الفعل الأولي للعنف الجنسي، يلجأ الجناة لاستخدام إمكانية المقاضاة في حالة التبليغ كآلية تحكم وتخويف للنساء وجعلهن في موقع عزلة، مع الاستمرار في تعريضهن لأفعال جنسية أخرى لاحقة وغير رضائية”.
وبالتالي، يردف المتحدث، فمقتضيات فصول القانون الجنائي لسنة 1962 المتجاوزة، تُفرغ مكتسبات قانونية أكثر حداثة من محتوياتها، لاسيما القانون 13.103 المتعلق بمكافحة العنف ضد النساء لسنة 2018 وقانون الأسرة لسنة 2014، كما تمنع الإبلاغ عن المعتدين وتعزز إفلاتهم من العقاب، وتشجع على تزويد الرجال بأداة لتهديد النساء واستغلالهن والسيطرة عليهن.
وتعقيبا على الموضوع، أكدت بشرى عبدو مديرة جمعية التحدي للمساواة والمواطنة، بدورها على ضرورة التشجيع بشكل فعلي على التبليغ عن العنف، “الذي يعد في الأخير جريمة يعاقَبُ عليها الجُناة بغض النظر إن كانت ستتم متابعتهم أم لا، لأن ذلك راجع طبعا لخصوصية كلِّ ملف على حدة”.
“لي خاصنا نعرفو هو أنها بغاتو ولكن مقالتش ليه ضربني ولا بهدلني وسرقني أو ابتزني”، بهذه الجملة عبرت الحقوقية عن امتعاضها من قضايا العنف غير المبلغ عنه، والذي تتعرض له كثير من مهنيات الجنس اللاتي بلغ عددهن ما يزيد عن 50.000 مزاولة بالمغرب، وفق آخر إحصاء أجرته وزارة الصحة سنة 2015، كما شددت المتحدثة على أهمية مواصلة المناداة بحذف الفصل 490.