تحتفل أذربيجان بذكرى إعادة استقلالها التي تأتي هذا العام مقترنة باحتفالات البلاد بالذكرى الأولي لتحرير أراضيها المحتلة بعد حرب التحرير الكبري والانتصارات المجيدة العام الماضي.كان قد تم تأسيس جمهورية أذربيجان تحت اسم جمهورية أذربيجان الديمقراطية في 28 مايو 1918، ولكن هذه الدولة الوليدة لم تستمر سوي فترة وجيزة، ومن ثم خضعت للهيمنة السوفيتية لنحو سبعين عاماً، وبعد ذلك تستعيد أذربيجان استقلالها في 18 أكتوبر 1991، وتبدأ صفحة جديدة في تاريخ أذربيجان الحديث.
يوافق تاريخ الثامن عشر من أكتوبر ذكرى الاستقلال الوطني لجمهورية أذربيجان، الذي يعد منأبرز صفحات تاريخ أذربيجان الحديث، لأنه في مثل هذا اليوم عام 1991،وفي اجتماع المجلس الأعلى لجمهورية أذربيجان تم اعتماد القانون الدستوري واستقلال جمهورية أذربيجان، وبذلك القانون تم إعلان جمهورية أذربيجان وريثاً شرعياً لجمهورية أذربيجان الديمقراطية، التي تم تأسيسها في 28 مايو 1918 وعاشت بين عامي 1918 و 1920.
بعد فترة وجيزة من إعلان إعادة استقلالها عن الاتحاد السوفيتي انضمت أذربيجان إلى العديد من المنظمات الدولية والإقليمية،والتي يأتي في مقدمتها منظمة التعاون الإسلامي، والمنظمات التابعة لها أيضا، ومن بينها المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة الإيسسكو وذلك خلال مؤتمر القمة الإسلامي السادس الذي عقد في داكار عام 1991، وهاتان المنظمتان كانتا أول منظمتين دوليتين انضمت إليهم جمهورية أذربيجان، وتلتها الاعترافات الأولى لاستقلال جمهورية أذربيجان من قبل الدول الصديقة ومن بينها كانت المملكة المغربية وذلك في 30 سبتمبر عام 1991. وفي مارس سنة 1992 انضمت أذربيجان إلى عضوية الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها، وفي يوليوز من نفس العام أصبحت أذربيجان عضواً في منظمة الأمن والتعاون الأوروبي.
خلال سنوات الاستقلال الثلاثين الماضية، أحرزت أذربيجان منجزات كبيرة في مختلف مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، حيث عملت علي تعزيز النظام السياسي في البلاد، وتطوير الاقتصاد الوطني، وذلك بفضل الإدارة الحكيمة لموارد البلاد وخاصة من النفط والغاز الطبيعي، ولكن هذه المنجزات والنجاحات التي تمت علي أرضأذربيجان لم تحدث صدفة، أو لم يكن تحقيقها بالأمر الهين، بل علي العكس، فقد جاءت تلك النجاحات نتيجة عمل شاق وجهود كبيرة من أبناء أذربيجان المخلصين.
في السنوت الأولى من الإستقلال مرت البلاد بصعوبات عديدة، فقد واجهت أذربيجان ظروفاً غير عادية في الداخل والخارج،حتي أوشكت البلاد الوقوع في براثن حرب أهلية، كما حدث في كثير من الدول المجاورة التي نالت استقلالها عن الاتحاد السوفيتي في نفس تلك الفترة، والتي كانت ظروفها متشابهة مع ظروف أذربيجان، وما زاد من صعوبة ومرارة هذه الفترة أيضاً هو استغلال أرمينيا لتلك الظروف وقيامها بشن حرب عليها، واحتلت إقليم قراباغ الجبلي والمعروف باللغة الروسية ناجورني قراباغ وسبع من المحافظات الأخري المجاورة له. الأمر الذي دعا مجلس الأمن الدولي إلي إصدار أربع قرارات تطالب أرمينيا بالإنسحاب من أراضي أذربيجان المحتلة، في اعتراف واضح وصريح من المجتمع الدولي بأن إقليم قراباغ هو أرض أذربيجانية.
لقد تعرض شعب أذربيجان طوال 200 عاماً الماضية للتطهير العرقي والإبادة الجماعية من قبل الشوفينيون القوميون الأرمن في مختلف مراحل التاريخ، ونتيجة لهذه السياسة الهمجية تم احتلال 20% من أراضي جمهورية أذربيجان، وأصبح أكثر من مليون شخص لاجئين ومشردين بعيداً عن ديارهم وأرضهم التي ولدوا ونشأوا عليها، وخلال فترة الإحتلال عملت أرمينيا علي تدمير الأراضي وكذا الآثار التاريخية التيلاعد لها ولا حصر،ومن جملتها المساجد والمقابر.
بعد عودة الزعيم القومي حيدر علييف إلى السلطة، تغلب شعب أذربيجان على تلك الصعوبات، واستطاعت البلاد أن تخطو خطوات كبيرة في طريق البناء والتحديث، وذلك بفضل السياسة الحكيمة التي اتبعها زعيم البلاد الوطني، وبفضل استراتيجيته الحكومية وسياسته الداخلية والخارجية الناجحة أصبحت أذربيجان دولة تتطور سريعا، وفي 20 سبتمبر عام 1994،وبمشاركة الزعيم القومي حيدر علييف، تم توقيع عقد القرن في باكو بين أذربيجان وأكبر شركات العالم النفطية الأذربيجانية الناجحة التي تحمل أهمية بالغة، ليس لأذربيجان فقط بل ولكل الإقليم والعالم أيضاً.
اليوم، ومع الاحتفالات بالذكرى الثلاثين للإستقلال، والتي تأتي مع الاحتفالات بالذكرى الأولى للانتصارات المجيدة وتحرير أراضي قراباغ من الإحتلال، تسير البلاد نحو المستقبل بخطي متسارعة، مستقبل جديد لشعب أذربيجان أكثر ازدهاراً واشراقاً.
إن المقابلة التاريخية التي جرت بين المغفور لهما الزعيم القومي للشعب الأذربيجاني حيدر علييف وصاحب الجلالة الملك الراحل الحسن الثاني، في إطار القمة الإسلامية السابعة ، المنعقدة في الدار البيضاء ، في دجنبر1994، تعتبر فاتحة عهد جديد في العلاقات الأذربيجانية المغربية. وفي تلك المقابلة جرى تبادل الآراء حول سبل تطوير العلاقات الثنائية وأفاق التعاون بين البلدين الشقيقين، وأثمرت هذه المقابلة التاريخية علاقات ثنائية متميزة بين أذربيجان والمغرب والتي يواصلها بخطى حثيثة قائدا الدولتين فخامة الرئيس الهام علييف وصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله.
وبفضل إقامة العلاقات الدبلوماسية بين جمهورية أذربيجان والمملكة المغربية مكنت من تعزيز وتعميق علاقات الصداقة والتعاون المثمر بين البلدين.فخلال السنوات الأخيرة توصل البلدان إلى تحقيق منجزات كبيرة في تقوية العلاقات الثنائية.
و في هذا الإطار يندرج التعاون المتواصل بين البلدين الصديقين ضمن انخراط حكومتي البلدين في إعطاء هذه العلاقة الثنائية المغربية والأذربيجانية إبعاد التجسيد الميداني العائد على شعبي البلدين بمزيد من التقارب والتنمية المشتركة. إن الانطلاق من أرضية التعارف الإنساني والثقافي لبناء علاقة تعاون متينة بين الدول كثيرا ما يلقى مآلات النجاح وأسباب التوفيق والسداد، لاسيما أن جمهورية أذربيجان والمملكة المغربية تساهمان عن كثب على المستوى العالمي في عملية الحوار البناء بين مختلف الأديان والثقافات.
وتجدر الإشارة إلى أن الذكرى 30 لاستقلال جمهورية أذربيجان تزامنت مع اقتراب ذكرى السنة الأولى للانتصار الكبير الذي حققته أذربيجان حيث استرجعت كامل أراضيها بفضل حكمة وتبصر فخامة الرئيس الهام علييف، وهو انتصار سيبقى موشوما في ذاكرة كل الأذربيجانيين الأبرار.
د . فؤاد الغزيزر :باحث في العلاقات المغربية الآسيوية.