الإرادة هي التي تتجه إلى إحداث الأثر القانوني، والتي تسمى في فقه القانون التصرف القانوني هي أساس العقد، فالعقد يتكون من إرادتين أو عدة إرادات تتجه إلى إحداث هذا الأثر.
لذلك يقرر الفصل 230 من ق ل ع قاعدة هامة في الميدان المدني وهي مبدأ سلطان الإرادة، فقد نص هذا الفصل على أن “الالتزامات التعاقدية المنشأة على وجه صحيح تقوم مقام القانون بالنسبة إلى منشئيها، ولا يجوز إلغاؤها إلا برضاهما معا أو في الحالات المنصوص عليها في القانون”.
فماهي مظاهر مبدأ سلطان الإرادة من خلال ف 230 ق-ل-ع ؟
أولا: مظاهر مبدأ سلطان الإرادة من خلال ف 230 ق ل ع.
إن ما يمكن ملاحظته هو أن المشرع المغربي لم يعرف مبدأ سلطان الإرادة إلا أنه تضمنه في أحكامه ونصوصه، من خلال الفصل 230 ق ل ع الذي جاء طبق الأصل للمادة 1134 من القانون المدني الفرنسي.
لقد كرس هذا الفصل القاعدة السائدة في الفكر القانوني الحديث والتي مفادها أن الإتفاقيات المبرمة تمثل القانون الذي يمتثل إليه المتعاقدين ولا يمكن إلغاؤها إلا بالرضاء المشترك للطرفين تحقيقا لاستقرار المعاملات بين الأفراد.(1)
فالمشرع المغربي استعمل لفظ “مقام القانون” مثل نظيره الفرنسي الذي لم ينهج ذلك عبثا، وإنما ليمنع القداسة لما أبرمته الإرادة الفردية، وهو نفس توجه المشرع المغربي الذي اعتبر العقد شريعة المتعاقدين الذي لا يحيدون عنه وبمقتضى ذلك أن الإرادة لها السلطان الأكبر في تكوين العقد، سواء بالنسبة لإنشائه أو ترتيب آثاره ومن ثم فالقاعدة السائدة في الفكر القانوني الحديث مفادها أن الاتفاقيات المبرمة تشكل القانون الذي يمتثل إليه المتعاقدين (2) ولا يمكن إلغاؤها إلا بالرضاء المشترك للطرفين، تحقيقا لاستقرار المعاملات بين الأفراد أي أن المشرع قد سوى بين الالتزامات التعاقدية، وتلك التي مشؤها القانون فيكون القاضي حينها مطالبا بتطبيق مضمون العقد كأنه قاعدة قانونية.
وقد أراد المشرع المغربي من خلال الفصل 230 “الاتزامات التعاقدية المنشاة على وجه صحيح…” كنظيره الفرنسي في الفصل 1134 ” الاتفاقات التي تمت على وجه شرعي…” ان يكون العقد صحيحا والقصد بصحة العقد ان يستجمع أركانه التي جاءت بها نصوص ق ل ع من الفصل 3 إلى الفصل 65 من ق ل ع خاليا من عيوب الرضى، المنصوص عليهما في الفصل 39 إلى الفصل 65 دون أن يغفل عدم مخالفة العقد لمقتضيات النظام العام وحسن الآداب بمقتضى الفصل 231 ق ل ع.
لكن بالرجوع إلى القانون المدني المصري نجده قد تخلى في صياغته لنص المادة 147 عن عبارة “مادام قد انعقد العقد صحيحا” والتي جاء بها المشروع التمهيدي وقد عللت لجنة المراجعة موقفها بعدم الحاحة إليها.
كما يترتب على يترتب على قاعدة “العقد شريعة المتعاقدين” قاعدة أخرى نصت عليها الفقرة الثانية من الفصل 230 ق ل ع والتي علقت إمكانية إلغاء الإلتزامات التعاقدية على تراضي المتعاقدين أو في الحالات المنصوص عليها قانونا، وقد فسر الأستاذ حسن الفكهاني اتفاق المتعاقدين على إلغاء العقد او تعديله من خلال إعطاء صورتين لهذا الاتفاق، تتحقق أولهما عند اتجاه إرادتي المتعاقدين إلى نقضه أو تعديله، بينما تتجلى الصورة الثانية في اتفاق الطرفين عند مرحلة التعاقد على انفراد أحدهما بالإنهاء أو التعديل. (3)
أما فيما يتعلق بالحالات المنصوص عليها قانونا والتي من شأنها ان تسمح بصفة استثنائية لأحد المتعاقدين الإنفراد بإلغاء العقد منها :
– عقد الوديعة: الذي يتمتع من خلاله المودع بحق استرداد الوديعة متى شاء (الفقرة الثانية من الفصل 794 ق ل ع) أما بالنسبة للمودع عنده فهو يحظى بصلاحية رد الوديعة إلى صاحبة (المودع) في الوقت الذي أراد إذا لم يكن رد الوديعة مقترنا بأجل (الفصل 796).
– عقد الوكالة: وقد أجاز فيه المشرع المغربي للموكل وضع حد للوكالة متى أراد ذلك بمقتضى نص الفصل 931 ق ل ع إلا أنه جعل لهذه الإمكانية استثنائين هما :
1- لايسوغ للموكل إلغاء الوكالة بموافقة من أعطيت له في مصلحة.
2 – لا يسوغ عزل وكيل الخصومة متى أصبحت الدعوة جاهزة للحكم بينما منح الوكيل إمكانية التنازل عن الوكالة شريطة الموكل بذلك الفصل 935 ق ل ع. وهناك حالات يجوز فيها إنهاء العقد بإرادة منفردة كعقد الشركة حيث نص المشرع في ظهير الإلتزامات والعقود في الفصل 1051.
وتجدر الإشارة إلى ان تكريس المشرع المغربي لمبدأ سلطان الإرادة لم ينحصر عن الفصل 230 ق ل ع ، وإنما استحضره أيضا ضمن نصوص أخرى من الظهير من بينها الفصل 2 و 19 و 21 و 39.
ثانيا: نتائج مبدأ سلطان الإرادة من خلال ف 230 من ق ل ع.
– لا يلزم أحد بغير إرادته: أي أن الإرادة هي الأصل في التزامات الأفراد، وبالتالي فإن ماتعاقد عليه الأطراف واتجهت إليه إرادتهم لا يهم أحدا غيرهم. (4)
– كل إلتزام يعتبر عادلا: فينبغي ترك الحرية الكاملة للمتعاقدين ليضمنوا العقود وما يرونه صالحا لهم من الشروط وفقا لمصالحهم، ولا يجوز للقانون أن يكون مقلصا لهذه الحرية، وإذا كان المشرع قد وضع تنظيما نموذجيا لبعض العقود المعروفة كالبيع والإيجار والوكالة والتأمين وغير ذلك، فينبغي أن يظل هذا التنظيم اختياريا يجوز للمتعاقدين الخروج عليه طبقا لمصالحهم. (5)
بل صدر رأي بأنه على التشريع (6) أن يراعي أثناء صياغته للنصوص التشريعية عدم المس بمضامين الحرية الفردية.
– لا يجوز لأحد الطرفين تعديل العقد بدون رضاء الطرف الآخر: يقد بها أن العقد منذ تمامه تصبح أحكامه هي القواعد المنظمة لعلاقة طرفين فلا يستطيع أحدهما أن يستقل بتعديل العقد او أن يرجع فيها تعهد به ويلزم لإحداث ذلك أن يتم اتفاق عليه بين أطراف العقد او بنص من القانون. (7) ولجوء أحد المتعاقدين إلى تعديل أو إلغاء شروط العقد أو آثاره يعد سطوا على حرية الطرف الآخر وبالتالي ضربة قاضية لمبدأ سلطان الإرادة. (8)
خلاصة:
المشرع المغربي بين أن مبدأ سلطان الإرادة هو المنبع الذي يستسقي منه العقد كينونته وصيرورته ليس فقط في مرحلة تكوينه بل أيضا في مرحلة تنفيذه، فالرضاء هو لحمة العقد وسداه سواء عند إصدار القبول الإيجاب او عند تطابقهما، فقط يجب ان يكون هذا الرضاء خالي من العيوب النصوص عليها قانونا وكذلك ضرورة إتسامه بالوضوح والحرية.
الهوامش:
محمد شيلح، سلطان الإرادة في ق ل ع أسسه ومصادره في نظرية العقد، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص، كلية محمد الخامس، الرباط، ص: 83 و 85.
يوسف الزوجال، حرية التعاقد بين المبدأ والاستثناء، ص: 40.
نسرين أبادر، حرية التعاقد، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص، جامعة محمد الخامس بالرباط، ص: 56.
جميلة العماري، أبعاد الإرادة العقدية في التشريعين المغربي والمقارن، أطروحة لنيل شهادة دكتوراه في القانون الخاص، جامعة الحسن الثاني، الدار البيضاء، 2001-2002، ص: 58.
نسرين أبادر، مرجع سابق، ص: 60.
محمد بونبات، نظرية الظروف الطارئة بين الأخذ والرد في المغرب سنة 1999-2000، سلسلة آفاق القانون (3)، ص: 5-6.
جميلة العماري، مرجع سابق، ص: 51.
إدريس العلوي العبدلاوي، النظرية العامة للإلتزام، نظرية العقد، ص: 86.
أسامة ولد النعيمية
باحث في سلك الدكتوراه بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالمحمدية