محمد أكعبور
باحث في الخطاب والإعلام الديني
احتفاء بالذكرى الـ68 لـ”ثورة الملك والشعب”، وهي الذكرى التي أسست للميثاق الوطني للنضال المستمر حماية للوطن والعرش والدين والمقدسات بناء على قيم مثلى وفي كل إحياء للمناسبة تتلى وعلى الأسماع تلقى وهي للمغاربة خير ما التاريخ أبقى .في هذا السياق يأتي مقالنا في الموضوع .
فما هي إذن الدروس المعتبرة من الذكرى ؟
وما هي أبعاد الملحمة البطولية بين الشعب المغربي العتيد والعرش العلوي المجيد ؟
1 – ثورة الملك والشعب : السياق التاريخي.
تعتبر ثورة الملك والشعب النقطة الفاصلة بين ما كان وبين الاستمرار في بذل ما بالإمكان فكان ذلك وأكثر مما لم يكن في الحسبان ومما به عن المغاربة الظلم بان .
تعتبر ثورة الملك والشعب ؛ حدثا ملحميا سجله التاريخ بمداد دمِ الشهداء الوطنيين خدامِ العرش الصادقين خلف ملوك وأمراء بالحق صادحين في وجه المتربصين بالوطن والمعادين .
” يوم 20 غشت سلطات الحماية تنفذ مؤامرة – بعد رفض كل مساومة للتنازل عن العرش ومؤسسات ومقدسات الدولة مما أظهره الشعب المغربي من صمود وصدود بفضل قائدة المقاومة سيدي محمد بن يوسف –الذي نفته الآيادي الغادرة متجاهلة أنها للشعب والوطن تسببت في جروح غائرة ما جعل الأمة المغربية في وجه الفعل الشنيع هذا ثائرة.
في 21 غشت اندلعت الثورة داخليا حيث أعمال فدائية ومظاهرات وطنية وخارجيا ؛ العالم العربي والإسلامي يعبران عن التضامن الكامل مع السلطان.
حيث إن 15 دولة عربية وأسيوية عضو في الأمم المتحدة أبدت انشغالها بمسألة الاستقرار السياسي بشمال افريقيا بعد نفي السلطان وإبعاده عن الأوطان .
بل وانطلقت مظاهرات من مساجد بعض البلدان العربية استنكارا للفعل الغادر وهي تحيي بطولة الشعب ونضال الملك الثائر”. مجلة “دعوة الحق” عدد 398 غشت2010 الدكتور محمد المغراوي بتصرف .
وهكذا ستستمر ثورة الملك والشعب في مسلسل متعدد الأبعاد على مستويين :
- مستوى الداخل ؛ حيث تشكل التنظيمات والخلايا السرية في رفض قاطع للأعمال البدائل الخالية من الاستناد إلى الدلائل الشرعية والقانونية .
واستشهد شباب في سبيل المطلب الوحيد الذي رقعته الحركة الوطنية وهو عودة السلطان سيدي محمد بن يوسف من منفاه بحيث نفذ الفدائيون عمليات استشهادية نصرة للوطن والعرش والدين وقد بلغ عددها حوالي 6000 عملية بكل من مراكش ومولاي زرهون كما انطلقت مظاهرات بكل من خريبكة وخنيفرة والجديدة والخميسات والدار البيضاء وهي وجه من أوجه المقاومة المسلحة ضد المستعمر يومها .
- مستوى الخارج ؛ خلال منفى السلطان واصل جلالته الاتصال بالمغاربة الوطنيين كما واصل العمل بالقنوات الدبلوماسية ، وهو ما يعبر عنه بالمقاومة السياسية فاستمر العمل بناء على كبير الأمل في المستقبل حتى 16 نونبر 1955 تاريخ عودة السلطان سيدي محمد بن يوسف برفقة أسرته الشريفة من المنفى إلى المغرب والشعب المغربي يسعد باللحظة المنتظرة ليبدأ الوطن والسلطان العمل من أجل تأسيسِ المؤسسات وبناءِ واستكمالِ الأساسات .
2 – ثورة الملك والشعب : استلهام الدروس الممكنة.
إن ثورة الملك والشعب مفعمة بالدروس والعبر تنجمع فلا تندفع لتُكون مواطنا مشبعا بمجموعة من القيم والتمثلات من ذلكم :
- المواطنة الحقة التي تترجم الوفاء للعرش العلوي .
- التضامن بين أفراد الجماعة المكونة للأمة المغربية والتي كاد المستعمر أن يجزأها إلى مناطق جغرافية وسياسية لولا هذا التضامن .
- الصبر عند المحن والشدائد .
- الثبات على المبدأ وهو نصرة الحق وقول الحق والعمل بالحق .
- التضحية من أجل الوطن ومقدساته وكيانه .
- الاستمساك بالدين وهو الدافع الأكبر في نصرة السلطان وتحرير الأوطان وتنميتها.
- التلاحم بين العرش والشعب في سبيل حماية الوطن من كل عدوان يتربص به الدوائر وقد اجتمعت إرادة الملك محمد الخامس يومها ورفيقه في الكفاح الحسن الثاني إلى جانب إرادة الشعب ؛ الإرادة التي لا تتزعزع مهما حصل ، بل هي عقيدة سياسية واجتماعية في الفكر السياسي المغربي.
ومما جاء في الخطاب الملكي السامي لصاحب الجلالة محمدٍ السادس نصره الله إلى الأمة بمناسبة إحياء الذكرى الـ67 لثورة الملك والشعب يوم 20 غشت 2020 ما يلي :
“و إننا اليوم، و نحن نخلد ذكرى ثورة الملك و الشعب، أكثر حاجة لاستحضار قيم التضحية و التضامن و الوفاء، التي ميزتها، لتجاوز هذا الظرف الصعب.”
وإن ذلكم الظرف الصعب هو القوة القاهرة وهي قدر الله على العباد في جميع البلاد ؛ إنه وباء كورونا الذي تعلمنا منه قيما ودروسا وخلاصات تجعلنا نلتف حول الوطن لحمايته ونصطف خلف جلالة الملك حفظه الله لبنائه التنموي .
3 – ثورة الملك والشعب في سياقها الجديد :
– سياق كوفيد-19 :
ففي ذلكم الخطاب إحياء للذكرى الـ67 لـ”ثورة الملك والشعب”، دعا جلالة الملك محمد السادس نصره الله إلى استحضار روح المواطنة التي سادت آنذاك ومهدت لاستقلال المغرب، دفاعا عن الأرض وصونا للعِرض وتنويعا للعَرض من أجل مواجهة معركة آنية، تتمثل في وباء كورونا، وهي “المعركة التي لم تكسب بعد”…… “بدون سلوك وطني مثالي ومسؤول، من طرف الجميع، لا يمكن الخروج من هذا الوضع، ولا رفع تحدي محاربة هذا الوباء”.
إنها دعوة لكل الفعاليات الحية للتعبئة واليقظة والانخراط في المجهود الوطني في مجال التوعية والتحسيس بخطورة كوفيد -19 وتأطير المواطنين للتصدي لهذا الوباء.
معا إذن لمواصلة ثورة الملك والشعب في السياق الجديد سياق التصدي ومواجهة التعدي برفع التحدي.
– سياق النموذج التنموي الجديد :
إن كان المغرب قد عرف ثورة تحرير الوطن والعرش والمقدسات ، فإن تحرير الطاقات والقدرات والبحث عن الثروات ما يزال مستمرا من أجل مزيد إعمار لهذه الأرض وعلى الشباب أن ينخرط في المشروع ليستمر الغمار وينفض الغبار على المستقبل ويستلهم من الحدث ويستنير الدرب التنموي بما حملته من رسائل ويوظف جميع الوسائل فالثورة التنموية مستمرة مستثمرة فالمغرب به مؤهلات وقد حددها تقرير نموذج التنمية الجديد 2021 من ذلكم :
- مغــرب مزدهــر.
- مغــرب الكفــاءات .
- مغــرب الإدمــاج والتضامــن .
- مغــرب الاســتدامة والجــرأة .
معا إذن لمواصلة ثورة الملك والشعب في سياق النموذج التنموي الجديد المغرب الذي نريده .
ختاما : اخترت الوقوف عند نص افتتاحية مجلة “دعوة الحق” عدد 390 غشت2008 وهو للدكتور أحمد التوفيق الأديب والمؤرخ ووزير الأوقاف والشؤون الإسلامية. يقول :
“وسيظل لهذه الملحمة مدى الدهر بعدان :
- بعد تاريخي تعبر عنه وقائعها وأحداثها ونتائجها
- بعد ممتد في الزمان يُلهم الأجيال تلو الأجيال لصنع لحظات الانتصار .
وفي هذين المستويين ستظل ثورة الملك والشعب حاضرة في مسيرة التنمية التي يسير المغرب في طريقها بخطى وئيدة تحت القيادة الرشيدة لمولانا أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس الذي يستنير في معركة التنمية بنضال جده جلالة الملكِ محمدٍ الخامس رمزِ التحرير ووالِده جلالةِ الملكِ الحسنِ الثاني رمزِ البناء ”
فاللهم مدَّ وباركْ في عمر جلالته واحفظه في ولي عهده وأسرته وارحم اللهم الجد والأب وطيب ثراهما وارحم جميع شهداءِ الوطن .
آمين والحمد لله رب العالمين.