تعيش الجامعة المغربية تحت وطأة أزمة لم تستطع الخروج من ظلالها منذ فجر الاستقلال، ويشكل تراجع تصنيف الجامعة المغربية على المستوى الدولي تجل من تجليات هذه الأزمة التي تؤكد على تعثر برامج الإصلاح السابقة واللاحقة التي أشرفت عليها الوزارات المتعاقبة بسبب التخطيط الغير استراتيجي والغير مبني على مقاربة تشاركية حقيقية، بل إصلاحات تكرس التبعية للأجندة الفرنسية في التعليم العالي.
انطلق الموسم الجامعي لسنة 2022/2023 بقرار أهوج من لدن كلية علوم التربية يقضي بفرض رسوم تسجيل على عموم الطلبة في ضرب صارخ لمجانية التعليم، الذي يعتبر حقا من الحقوق العادلة و المشروعة لأبناء الشعب المغربي و سطوا على المكتسبات التاريخية الطلابية، وفي ظل عدم وجود أي رد فعل مباشر من وزارة التعليم العالي، خاصة عدم تفاعلها مع المراسلة التي أودعتها منظمة التجديد الطلابي لدى الوزارة الوصية يوم 2 غشت 2022، فإن مثل هذه الخطوات تبين الوجه الحقيقي لوزارة التعليم العالي وتوجهها لخوصصة هذا الحقل الذي يشكل لبنة أساسية لتحقيق شرطي التنمية و الديمقراطية للمجتمع والدولة المغربية، وكل تراجع عنه يعني لا ديمقراطية ولا إنتاجية التعليم العالي وبالتالي تخريج نخب معطوبة من الناحيتين العلمية والعملية.
وفي سياق الدخول الجامعي لهذا الموسم يرتقب أن تعقد النقابة الوطنية للتعليم العالي خلال الأسبوع الأخير من غشت القادم اجتماعا مع وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار عبد اللطيف ميراوي بغية امتصاص غضب أساتذة التعليم العالي الذين يطالبون بالزيادة في الأجور والتفاعل مع مطالبهم العالقة.
ويبدو أن عددا من الإشكالات تواجه الدخول الجامعي المقبل كسابقاتها أبرزها الاكتظاظ الذي تعانيه الكليات ذات الاستقطاب المفتوح التي تستقبل سنويا أزيد من 88 في المائة من الحاصلين على شهادة البكالوريا بعض الأرقام من الموسم الجامعي 2021/2022 وفقا لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار :
• 923723 طالب بالكليات ذات الاستقطاب المفتوح و137533 بالكليات محدودة الاستقطاب
• عدد خريجي الكليات 113182 والعدد الإجمالي 143242
في حين رصدت مليار و309 مليون درهم إعانات للجامعات، و114 مليون ميزانية دعم البحث العلمي من مجموع 12 مليار و412 مليون كميزانية لتسيير القطاع.
وعلى ضوء كل هذه المعطيات يمكن تسجيل مجموعة من الملاحظات التي تؤكد أن عدد الطلبة يفوق القدرة التأطيرية للجامعات خاصة بكليات ذات الاستقطاب المفتوح بما يفوق 2.56 ضعف بالإضافة إلى قلة الأساتذة مقارنة مع عدد الطلبة بشكل يخالف النظم العالمية ويؤثر على جودة التعليم وديمقراطيته.
3,97% من الطلبة فقط من يستفيدون من خدمة السكن الاجتماعي وهي ذات النسبة تقريبا من الطلبة المستفيدين من المطعم الجامعي، أي نسبة ضئيلة بالنظر إلى الوضعية الاجتماعية لعموم طلبة المغرب، وهو ما يجعلهم مضطرين للكراء في ظروف مزرية أو عدم حضور الدروس، هذه النسبة يجب أن تدق ناقوس الخطر لدى وزارة التعليم العالي لأنها تضرب في عمق تكافؤ فرص تلقي التعليم.
كذلك يسجل مع كل موسم جامعي تأخر كبير في الانطلاق الفعلي للدروس لأسباب مختلفة، مما يؤثر على استيفاء المقررات الدراسية الجامعية، وعلى جودة التكوين.
بالإضافة إلى مشكل الباكالوريا القديمة و الانتقال من جامعة إلى جامعة وهو ما يفسر عزوف الشاب الحاصل على البكالوريا عن الجامعة، ونظرته لها كفضاء ميؤوس منه، كما أن تصريحات وزير التعليم العالي تزيد الطين بلة، حينما يصف بعض التخصصات الأدبية والقانونية بإنها غير قابلة للدمج في سلك الوظيفة، بل أنها أسست من أجل الثقافة فقط واكتساب المعرفة، في تلطيخ رسمي لسمعة ومكانة الجامعة المغربية.
فمن المسؤول، وما العمل؟ التعليم قطاع يريد الجميع إصلاحه لكن أبدا لم تتم محاسبة أي مُصلح بل يمضي ويخلفه مُصلح. إن الجامعات المغربية المدعوة اليوم بإلحاح إلى الاندماج ضمن المسار التطوري للمجتمعات الحديثة، لإعادة الاعتبار لدورها الريادي في قيادة قاطرة التغيير والتطوير وهذا يتطلب.
بإلحاح إلى الاندماج ضمن المسار التطوري للمجتمعات الحديثة، لإعادة الاعتبار لدورها الريادي في قيادة قاطرة التغيير والتطوير وهذا يتطلب من الوزارة الوصية عن القطاع والقادة السياسيين اعتماد سياسات فعالة وخطط إستراتيجية تؤهل الجامعات للتكيف مع تحديات مجتمع المعلومات وعالم التكنولوجيا والرقميات.
فإلى متى سنظل نتخبط في هاته المشاكل التي تعرقل السير العادي للدخول الجامعي بالجامعات المغربية ورفع شعارات إصلاحات التعليم ؟