قاربت محاضرة نظمتها مؤسسة المدى-دار الفنون، اليوم الخميس بالرباط، فكر ابن رشد وتأثيره في الشرق والغرب من زوايا مختلفة، تناولت رؤيته الفلسفية المنفتحة على الآخر المعرفي والإنساني.
وخلال هذه المحاضرة التي ألقاها الأستاذ فؤاد بن أحمد، وحملت عنوان “لماذا ابن رشد اليوم؟ أسئلة الماضي والحاضر هنا وهناك”، استعرض المحاضر فلسفة ابن رشد التي تعتمد العقل وترفل بالكثير من قيم التسامح التي يتعين أن تطبع مسار الحوار بين الغرب والشرق لأنها أساس السلام، وصورة حقيقية عن الفكر العربي في أبرز تجلياته.
وأكد الأستاذ بن أحمد أن الأسئلة المطروحة في أوروبا بخصوص فكر ابن رشد، ليست هي ذات الأسئلة المطروحة في الشرق حول النهضة والتقدم والتنوير الذي طرح في العالم العربي، مبرزا أن “هذا الأمر لا يمنع من وجود هوامش مشتركة كثيرة ساهمت في إغناء النقاش حول الأفق الفكري الذي طبع مسار ابن رشد على مر التاريخ .
وأضاف أن ابن رشد تميز بنظرة واسعة الأفق ومنفتحة للأخذ بالعلوم أيا كان مصدرها ومن دون اعتبار لجنسيتها أو دينها، أبرزها الاعتراف بالرأي الآخر.
وأشار المحاضر إلى أن هذا الفيلسوف الأندلسي المسلم، كما كثير من الفلاسفة قبله وبعده، عاش أيضا حالات قلق واضطرابات كثيرة لم تمنعه من التفكير ومن التفلسف، ومن التأثير في الفكر البشري”، مبرزا أن “اهتمام الناس به، وخاصة في أوروبا، لم يتوقف ولا شيء يشي أنه سيتوقف يوما، بل الأقرب أن نقول إن الأسئلة بخصوصه ما تزال تتجدد، وذلك بالنظر إلى قوة نصوصه وأفكاره المقلقة”.
وأضاف الأستاذ الجامعي أن “ابن رشد، “فيلسوف مقلق” قارب الوعي الأوروبي، بل وعي البشرية برمتها وطرح الأسئلة الممكنة وغير الممكنة، مبينا أن “ما قام به ابن رشد يضاهي في قوته قوة الثورات الثلاث المعروفة، الكوسمولوجية مع كوبرنيكوس، والبيولوجية مع داروين، والسيكولوجية مع سيغموند فرويد” .
لقد ظل ابن رشد”، يؤكد بن أحمد، “مقلقا للوعي الأوروبي على مدى قرون عدة وما يزال موضع سجال ومشاحنات إلى الآن في أوروبا”، موضحا أن شخصية هذا المفكر العربي ما تزال محط اهتمام الباحثين عبر العالم، ممن يخصصون له “عشرات بل مئات الدراسات سنويا”، لأنه “دعامة من دعامات الفكر الكوني”.
وشدد بن أحمد على أن الرؤية الفلسفية المنفتحة على الآخر المعرفي والانساني التي تحلى بها ابن رشد رفعت من شأنه في اوروبا الأمس، وهو ما يستدعي إعادة الاعتبار لها في عالم اليوم لأنه شكل جسرا للتواصل الحضاري بين الغرب المسيحي والشرق الاسلامي.
وأبو الوليد ابن رشد (1126-1198)، عالم مسلم ولد في قرطبة بالأندلس وتوفي في مراكش. وهو فقيه مالكي وقاضي القضاة في زمانه وطبيب وفيلسوف عقلاني ومترجم لأعمال أرسطو المرجعية، اضافة الى كونه فلكيا.
وتندرج هذه المحاضرة ضمن سلسلة محاضرات شهرية بعنوان “خميس ابن رشد” وعددها تسعة، تنظمها مؤسسة المدى – دار الفنون، وتعنى بفكر ابن رشد وتأثيره في الشرق والغرب، يقدمها فؤاد بن أحمد المتخصص في فلسفة ابن رشد ومصيرها في السياقات الإسلامية والغربية .
وقال ابن أحمد في هذا الصدد إن هذه المحاضرات تخاطب عموم المهتمين، وليس مقتصرة على المتخصصين فقط، “وأهميتها تبرز عند النظر إلى الحياة البشرية بوصفها مسارات قلقة ومشوشة”، مشيرا إلى أن “أكبر خطأ يمكن أن نرتكبه هو أن نتوقف عن ممارسة التفكير والنقاش في لحظات الارتباك والقلق”، في إحالة إلى السياق العام الذي تمر منه البشرية، لاسيما مع فيروس كوفيد-19 المستجد
وفؤاد بن أحمد باحث وأكاديمي، متخصص في تاريخ الفلسفة وعلم الكلام في الإسلام، حاصل على الدكتوراه في الفلسفة من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة محمد الخامس أكدال في الرباط. ويشتغل أستاذا لمادتي الفلسفة ومناهج البحث منذ سنة 2009 بمؤسسة دار الحديث الحسنية التابعة لجامعة القرويين وهو عضو في مجموعة من الجمعيات الدولية المتخصصة في الفلسفة والعلوم في العالم الإسلامي.
صدرت لهذا الباحث الأكاديمي العديد من المؤلفات، من بينها: ابن طملوس: كتاب في المنطق – كتاب الأمكنة المغلطة – كتاب الجدل”، نشر عام 2016 و”منزلة التمثيل في فلسفة ابن رشد”، عام 2017 و”الدليل المنهجي إلى بعض خطوات الكتابة الأكاديمية وتقنياتها”، عام 2020.
كما شارك بن أحمد الذي اشتغل استاذا زائرا بألمانيا والولايات المتحدة في عدة ندوات علمية وطنية ودولية، ونشر العديد من المقالات والدراسات باللغتين العربية والإنجليزية.