نشر المركز العربي للأبحاث بالرباط ورقة سياسات (Policy Paper) تحت عنوان (النساء أيضا محميات في أغوار المناجم)للدكتورة سعاد عدنان، مستشارة بالبنك الدولي، والدكتور رشيد أوراز، باحث في الاقتصاد السياسي، حيث تتناول الورقة إشكالية محورية لسوق الشغل المغربي والمرتبطة بالسماح بالعنصر النسوي بالعمل في القطاعات المناجم غير الإدارية.
ركزت الورقة على المادتين 179 و181 من قانون الشغل المغربي واللتان تمثلان عائقا أمام اليد العاملة النسوية من ولوج سوق الشغل المنجمي غير الإداري (الأعمال اليدوية تحت أرضية أو بالغار).
وتنص المادة 179 من القانون رقم 65.99 المتعلق بمدونة الشغل على (منع تشغيل الأحداث دون الثامنة عشرة، والنساء، والأجراء المعاقين، في المقالع، وفي الأشغال الجوفية التي تؤدى في أغوار المناجم ) كما تقضي المادة 181 من نفس القانون ب “منع تشغيل الأحداث دون الثامنة عشرة، والنساء، والأجراء المعاقين، في الأشغال التي تشكل مخاطر بالغة عليهم، أو تفوق طاقتهم، أو قد یترتب عنها ما قد يخل بالآداب العامة. وتحدد لائحة هذه الأشغال بنص تنظيمي”. وذكرت الورقة أن المنظومة القانونية المغربية قد صيغت بناء على مضامين اتفاقية العمل الدولية رقم 45 لسنة 1935 والتي صادق عليها بتاريخ 20 شتنبر 1956. بيد أنه منذ ذلك الوقت، لم يطرأ أي تعديل لمقتضيات المادتين أعلاه.
في حديث آخر، أشارت الورقة المدروسة إلى أن عملية إصلاح الترسانة القانونية المغربية في إطار تمكين المرأة جعلته يعرف نقلة نوعية على مستوى مؤشر (المرأة وأنشطة الأعمال والقانون)رافعا بذلك رصيده في الفترة الممتدة بين 2003 و2004 من 44.37 نقطة مئوية إلى 70.62 وذلك بعد إصدار القانون رقم 70.03 والمسمى بمدونة الأسرة. بالإضافة إلى ذلك، فُتح الباب أمام العنصر النسوي للاشتغال في ميادين كانت في السابق حكرا على الرجل من قبيل الإرشاد الديني ومهنة (العدول)القضائية الحرة. ولكن، ورغم ذلك، أشار كل من الدكتورين سعاد عدنان ورشيد أوراز إلى أن هذه الجهود المبذولة تظل غير كافية خاصة وأن الحاصل المغربي على مستوى مؤشر “المرأة وأنشطة الأعمال والقانون” ظل شبه ثابت لما يقارب العقدين (75.62 نقطة مئوية سنة 2018)، أي أن المغرب ما زال يضيع فرصا اقتصادية عديدة نتيجة عدم تحيينه للمنظومة القانونية على مستوى سوق الشغل وملاءمتها مع آخر التحديثات التنظيمية الصادرة عن منظمة العمل الدولية والداعية إلى فتح هذا القطاع أمام العنصر النسوي. وفي هذا الصدد، تستدل الورقة بالأنموذجين الجنوب إفريقي والتشيلي اللذان حققا نتائج مبهرة ومشجعة.
من جهة ثانية، وبناء على دراسة تحليلية كمية، توصلت الورقة إلى أن الزيادة بمقدار نقطة واحدة في مؤشر المساواة القانونیة “المرأة وأنشطة الأعمال والقانون” يترجم بارتفاع معدل مشاركة الإناث في القوى العاملة بما مقدوره 0,0899 مئوية أولا، و0,0462 نقطة في المساواة في الأجور للعمل المماثل ثانيا، ما يعني أن الاقتصاد المغربي أمام فرصة استراتيجية مهمة وجب استغلالها.
وتندرج هذه الورقة في سياق انتقالي جديد يعرفه المغرب منذ اندلاع جائحة كورونا. فبعد تقديم خلاصات النموذج التنموي الجديد أمام العاهل المغربي والتي تؤكد على ضرورة قيام المنظومة التنموية الاقتصادية المغربية على المساواة بين الرجل والمرأة في سوق الشغل، عرض رئيس الحكومة الجديد عزيز أخنوش يوم 11 أكتوبر برنامجه الحكومي أمام البرلمان والمتضمن لمجموعة من الالتزامات أهمها رفع نسبة النشاط الاقتصادي النسوي من 20٪ إلى 30٪ في غضون خمس سنوات. وعليه، تساهم هذه الورقة، بتوصياتها المقترحة، في تسهيل تنزيل هذه الرؤية الاستراتيجية للدولة المغربية عن طريق تحديد دقيق للنقط القانونية التي يجب العمل على تعديلها.