منذ اعتماد التوقيت الصيفي بشكل دائم (GMT+1) في المغرب سنة 2018، لم يتوقف الجدل حول جدوى هذا القرار وتأثيراته على الحياة اليومية والصحة النفسية للمغاربة. وعلى الرغم من محاولات الحكومة تقديم مبررات اقتصادية واجتماعية لدعم القرار، إلا أن الأصوات المناهضة ظلت تتعالى مطالبة بإعادة النظر فيه، إذ يعتبر الكثيرون أن مضاره تفوق منافعه.
مراحل اعتماد التوقيت الصيفي
بدأ اعتماد التوقيت الصيفي (GMT+1) لأول مرة سنة 2008، وذلك في إطار تجربة تهدف إلى تحسين نجاعة الاقتصاد الوطني وترشيد استهلاك الطاقة. وكان يتم خلال هذه الفترة اعتماد التوقيت الصيفي لفترة محدودة تمتد من أواخر الربيع إلى أوائل الخريف، بالإضافة إلى العودة إلى التوقيت القانوني (GMT) خلال شهر رمضان، مما أثار ارتياحًا نسبيًا بين المواطنين.
وفي مرحلة لاحقة، استمر العمل بالتوقيت الصيفي الموسمي مع إدخال تعديلات متكررة على تاريخ بدايته ونهايته، مما خلق نوعًا من الارتباك لدى المواطنين والمؤسسات، خصوصًا في قطاع التعليم والنقل. وقد ظهرت أصوات تطالب بإيجاد حل أكثر استقرارًا لتنظيم التوقيت، نظرًا لتأثيره على الأنشطة اليومية.
وفي أكتوبر 2018، أعلنت الحكومة اعتماد التوقيت الصيفي بشكل دائم، وهو قرار فاجأ الرأي العام وتم اتخاذه بسرعة دون المرور من نقاش برلماني موسع. ورغم أن الحكومة بررت هذا القرار بأهداف تنظيمية واقتصادية، إلا أن ردود الفعل السلبية كانت قوية ومتعددة، مما زاد من حدة الجدل في الأوساط الشعبية.
مبررات اعتماد التوقيت الصيفي
قدمت الجهات الرسمية عدة مبررات لاعتماد التوقيت الصيفي الدائم، أهمها تقليص الفجوة الزمنية مع الشركاء الأوروبيين، وهو ما اعتبرته ضروريا لضمان انسيابية التعاملات الاقتصادية وتسهيل العلاقات التجارية والإدارية مع دول الاتحاد الأوروبي.
كما أشارت إلى أن تثبيت التوقيت يساهم في تحسين مردودية العمل، من خلال تقليص التغيرات الزمنية التي كانت تحدث مرتين في السنة، والتي كانت تؤدي إلى اضطرابات في سير العمل داخل الإدارات والمؤسسات، وبالتالي تحقيق استقرار وظيفي أفضل.
بالإضافة إلى ذلك، أكدت الحكومة أن التوقيت الصيفي يوفر إمكانية أفضل لاستغلال ضوء النهار في فترة المساء، مما يساهم في تقليص استهلاك الطاقة الكهربائية، خاصة في الفترات المسائية التي تعرف ذروة الاستهلاك، وهذا ما اعتبرته خطوة نحو تحسين إدارة الموارد.
سلبيات التوقيت الصيفي الدائم
رغم المبررات الرسمية، إلا أن فئات عريضة من المواطنين يرون أن التوقيت الصيفي المفروض بشكل دائم يُثقل كاهلهم، خصوصًا خلال فصل الشتاء، حيث يؤدي الاستيقاظ في الظلام إلى اضطرابات يومية وإرهاق نفسي وجسدي، مما يؤثر سلبًا على جودة الحياة.
وأبرز المتضررين من هذا التوقيت هم التلاميذ، الذين يُجبرون على مغادرة منازلهم في ساعات مبكرة، مما يطرح إشكالات تتعلق بالسلامة والراحة الجسدية والذهنية، ويؤثر على مردودهم الدراسي، كما يعمق الشعور بعدم الاستقرار الزمني.
ويؤكد منتقدو هذا التوقيت أنه لم يحقق الأهداف التي رُوّج لها، بل زاد من تعقيد الحياة اليومية وأحدث اضطرابًا في النظام الزمني للمواطن، دون أن تظهر مؤشرات ملموسة على تحقيق توفير حقيقي في استهلاك الطاقة أو تحسين فعلي للإنتاجية.
الآثار السلبية للصحة النفسية
أثبتت العديد من الدراسات أن التوقيت الصيفي يؤثر سلبًا على الساعة البيولوجية للإنسان، مما يسبب اضطرابات في النوم ويزيد من مستويات التوتر والقلق. إذ تؤدي هذه الاضطرابات إلى تراجع في التركيز والانتباه، خاصة لدى الأطفال والمراهقين، مما يزيد من معاناتهم اليومية.
كما تشير أبحاث علمية إلى أن التغيير المفاجئ في التوقيت يؤثر على إفراز هرمون الميلاتونين، المسؤول عن تنظيم النوم، مما يؤدي إلى تأخر النوم وصعوبة الاستيقاظ. وقد ربطت دراسات أخرى بين التوقيت الصيفي وزيادة احتمالات الإصابة بالاكتئاب الموسمي، مما يعزز موقف المعارضين.
وتجدر الإشارة إلى أن التأثيرات النفسية لهذا التوقيت لا تقتصر على الأفراد فقط، بل تمتد لتؤثر على الأداء الجماعي في المؤسسات التعليمية والإدارية، حيث تلاحظ حالات من الإرهاق الجماعي في الأيام والأسابيع الأولى من تطبيق التوقيت.
نتائج إيجابية على الاقتصاد
بالرغم من المبررات التي قدمتها الجهات الرسمية حول إيجابيات التوقيت الصيفي والمتمثلة في تحسين كفاءة التبادلات التجارية وتسهيل العلاقات الاقتصادية مع دول الاتحاد الأوروبي، عبر تقليص الفارق الزمني بين المغرب وهذه الدول، مما يسهل التعاملات.
كما يُقال إن تثبيت التوقيت يوفر فرصًا لاستغلال أفضل لضوء النهار، مما يساهم في تقليص الاعتماد على الإنارة الكهربائية في المساء، وبالتالي التخفيف من تكاليف الطاقة، ولو بشكل نسبي.
غير أن العديد من التقارير والدراسات المستقلة لم تتمكن من إثبات وجود تأثير اقتصادي ملموس لهذا التوقيت، إذ لا توجد معطيات دقيقة أو دراسات ميدانية منشورة تبرهن على وجود فائدة اقتصادية كبيرة مقارنة بتكلفة الإرهاق الاجتماعي والنفسي الناتج عنه.