لقد أصبح بإمكاننا الجزم بأن وباء كورونا ساهم بشكل كبير في خلخلة المشهد الإعلامي عالميا ووطنيا، كما أربك جميع القطاعات وفرض على القائمين عليها إعادة النظر في كل شيء بعد أن أصبحت الرؤية غير واضحة.
في ظل هذا الواقع أضحى من الصعب بمكان إيجاد الحلول للمشاكل المترتبة، عن تداعيات الجائحة، بنفس طريقة التفكير التي كانت متبعة قبل أن يجتاح الوباء بقاع العالم، وأوقف حركية لم يكن أحد يعلم إلى أين كانت تسير بالسرعة التي كانت تسير بها.
فبالأمس القريب لم يكن أحد يتوقع أن تغلق الدول حدودها، وأن تظل الطائرات جاثمة في مطاراتها، وأن يلتزم الناس ببيوتهم خوفا من فيروس لا نراه إلا في عدد المرضى والموتى في المستشفيات.
فالصحافة نالت نصيبها من هذه التداعيات، بل إن الوباء سرع بسقوط العديد من المقاولات الإعلامية التي كانت تعيش على الأمجاد، وتتغنى بنموذج اقتصادي أصبح من الماضي، فالصحف الورقية اختفت من الأكشاك والمقاهي، واكتفى معظمها بالصيغة الرقمية (PDF).
هذه الوضعية التي آلت إليها المقاولة الإعلامية، هو في نظرنا بداية لجيل جديد من المقاولات الإعلامية التي يجب أن تتسلح بما توفره التكنولوجيا الجديدة من إمكانيات هائلة للتواصل وتدفق المعلومات، من أجل بناء نموذج اقتصادي جديد يتلاءم وهذه الثورة التكنولوجية التي تجتاح العالم حيث أصبح المواطن يرى العالم من شاشة هاتفه النقال.
إن أكبر معضلة تواجه الإعلام اليوم تكمن أولا في إنتاج مضامين قوية وجادة ومفيدة وممتعة في الآن ذاته، وهو ما يعني بالأساس الاستثمار في العنصر البشري المبدع الذي يجمع بين الحس الإبداعي والقدرة على تملك الآليات المهنية في إنتاج المضامين.
كما أن العلاقة اليوم مع الفاعلين الكبار في مجال التواصل الاجتماعي وعلى رأسها ” الفيسبوك” و”غوغل” يعتبر ورشا جديدا يجب أن تتصدى له الهيئات الممثلة للمقاولات الإعلامية فهؤلاء الفاعلون أصبحوا يتحكمون في المضامين الرائجة على الشبكة ويحتكرون الموارد المالية الناتجة عنها وعن الإعلانات.
والأدهى من ذلك والأخطر أن المضامين الإعلامية أصبحت رهينة للخوارزميات التي تفرضها روبوتات هؤلاء المتحكمين في منصات التواصل الإجتماعي، فقد تمكن اليوتيوب والفيسبوك وغيره من أن يدخل في قمقمه العجيب جميع وسائل الإعلام بما فيها القنوات الإخبارية الرسمية التي تمثل التوجه الرسمي للدول.
إن وسائل الإعلام اليوم أو بشكل أدق منتجو المضامين الإعلامية أصبحوا يواجهون ديكتاتورية تبسط نفوذها على العالم وتفرض عن طريق هذه الخوارزميات شروطها دون أن يكون لهم حرية التصرف أو خيارات أخرى.
إن احتكار لوحة قيادة المضامين الإعلامية واستحواذها على عائدات الإشهار يسائل اليوم الهيئات والمنظمات التي تمثل المقاولات الإعلامية من أجل التحرك قصد إنجاز دراسات دقيقة والعمل على تحريك آليات التقاضي الدولي من أجل رفع هذا الاستعمار الرقمي الجديد الذي تفرضه هذه المنصات.