أصدر الباحث المغربي في مجال اللسانيات، ياسين ازريعة، الطبعة الثانية من كتابه “بلاغة الإيجاز وفصاحة الإنجاز كسمات لسانية ذات أولوية في الخطابات الملكية المولوية”، في نسخة منقحة ومزيدة، امتدت على 822 صفحة من الحجم الكبير. ويأتي هذا العمل الأكاديمي في إطار محاولة تحليلية لمضامين الخطاب الملكي المغربي، عبر ربع قرن من التراكم الكمي والنوعي، مع التركيز على ملامح البلاغة، والدقة، ومقومات الإقناع في الخطاب.
يعتمد المؤلف في كتابه على مقاربة لسانية وخطابية، انطلاقاً من تصنيف وتحليل خطب ورسائل ومداخلات وكلمات ترحيبية ألقيت خلال المناسبات الرسمية. ويؤكد أن عملية تحليل هذا المتن الواسع والمعقد تشبه محاولة “وضع جمل في شطيرة”، بالنظر إلى استحالة احتواء تنوع وتراكم الخطاب الملكي في كتيب محدود. ومع ذلك، يختار الباحث بعض العينات النموذجية لتسليط الضوء على الآليات الخطابية ودينامية التبليغ والإقناع.
ويتوقف الكتاب عند تمايز الخطاب الملكي عن باقي الخطابات السياسية التي غالباً ما تتسم بالانفعال والمزايدات والمواجهات الخطابية المباشرة. ويعتمد في هذا الجانب على “مقياس المقارنة المعيارية” الذي يرصد الفروقات النوعية بين لغة السلطة في بعدها الملكي، ولغة التنافس السياسي كما تظهر في النقاشات البرلمانية أو الحملات الانتخابية. ويستعرض في هذا السياق بعض المظاهر الشعبوية التي تنزلق إلى السخرية والتجريح والتشهير.
كما يقدم الكتاب رصداً دقيقاً لاستراتيجيات التواصل الملكي، من خلال تحليل البنية المشهدية للخطاب، وتفاعله مع الجمهور، وتوظيف الوسائط الرقمية في تعزيز القرب من المواطن. ويشير إلى نماذج من التفاعل مع المدونات الإلكترونية، و”ثقافة السيلفي”، وانخراط المؤسسة الملكية في توسيع قنوات الإبلاغ ومدّ جسور التواصل المباشر وغير المباشر مع المواطنين.
ويختتم المؤلف عمله بالإشارة إلى عناصر شكلية ومورفولوجية تميز الخطاب الملكي، من قبيل هندسته، ومراحل تقديمه، وطقوس تلاوته، التي تمنحه طابعاً خاصاً من الجدية والجاذبية، مشيراً إلى أن هذه الخصائص تسهم في رفع منسوب الإصغاء والانتباه لدى الجمهور، وتعزز من فاعلية الرسائل الموجهة إلى عموم المواطنين والنخب السياسية والإدارية في آنٍ واحد.