يعتبر القطاع الفلاحي في المغرب من الركائز الأساسية للاقتصاد الوطني، حيث يساهم بنسبة 14% من الناتج الداخلي الخام، ويوفر فرص شغل لحوالي 38% من اليد العاملة الوطنية، وهو ما يعكس الأهمية الاستراتيجية لهذا القطاع في تحقيق الأمن الغذائي والاستقرار الاقتصادي. وقد شهدت الفلاحة المغربية تطورات ملحوظة خلال سنة 2024، مدفوعة بتحسن الظروف المناخية، وتبني سياسات حكومية تهدف إلى تعزيز الإنتاجية، وتحسين ولوج المنتجات المغربية إلى الأسواق العالمية. ومع ذلك، لا يزال القطاع يواجه تحديات كبرى تتطلب استراتيجيات متجددة لضمان استدامته.
الإنتاج الفلاحي في المغرب خلال 2024
تشير الإحصائيات الرسمية إلى أن إنتاج الحبوب بلغ خلال سنة 2024 حوالي 75 مليون قنطار، مسجلاً ارتفاعًا بنسبة 12% مقارنة بالسنة الماضية، وذلك بفضل التساقطات المطرية الجيدة التي شهدتها معظم المناطق الفلاحية. ويمثل القمح الطري حوالي 40 مليون قنطار من هذا الإنتاج، يليه القمح الصلب بـ 20 مليون قنطار، ثم الشعير بـ 15 مليون قنطار.
فيما يخص قطاع الخضروات والفواكه، فقد شهدت بعض المنتجات ارتفاعًا ملحوظًا، حيث بلغ إنتاج الطماطم حوالي 1.4 مليون طن، فيما سجل إنتاج البطاطس 1.2 مليون طن. أما بالنسبة للحوامض، فقد بلغ إنتاج البرتقال والليمون 2.3 مليون طن، مما يعكس تحسنًا في المردودية، خصوصًا في مناطق سوس-ماسة واللوكوس، التي تعتبر من أبرز الأقطاب الفلاحية.
أما قطاع الزيتون، فقد شهد نموًا ملحوظًا، حيث بلغ الإنتاج 1.8 مليون طن، وهو ما يمثل زيادة بنسبة 8% مقارنة بالسنة الماضية. وتأتي هذه الزيادة بفضل تحسن الممارسات الزراعية، والاستثمار في زراعة الأصناف عالية الإنتاجية. كما شهد قطاع تربية المواشي استقرارًا في أعداده، إذ يقدر عدد رؤوس الأبقار بحوالي 3.6 مليون رأس، بينما يبلغ عدد الأغنام 19 مليون رأس، مما ساهم في توفير حاجيات السوق المحلية من اللحوم الحمراء.
التصدير والمساهمة في الاقتصاد الوطني
يعتبر القطاع الفلاحي من بين القطاعات الأكثر مساهمة في الصادرات المغربية، حيث تمثل الصادرات الفلاحية حوالي 21% من إجمالي الصادرات الوطنية، محققة رقم معاملات يفوق 70 مليار درهم خلال سنة 2024. وقد شهدت بعض المنتجات الفلاحية المغربية طلبًا متزايدًا في الأسواق الأوروبية، مما يعزز موقع المملكة كمصدر رئيسي للفواكه والخضروات.
ارتفعت صادرات الطماطم إلى 750 ألف طن، متجاوزة بذلك مستويات السنة الماضية، في حين بلغت صادرات الفواكه الحمراء، مثل الفراولة والتوت، حوالي 120 ألف طن، معظمها موجه نحو الأسواق الفرنسية والإسبانية. كما واصلت الحوامض المغربية تعزيز مكانتها في الأسواق العالمية، حيث بلغت صادراتها 650 ألف طن، بفضل تحسين جودة الإنتاج واعتماد معايير دولية صارمة.
على صعيد آخر، سجلت صادرات زيت الزيتون نموًا بنسبة 15%، لتصل إلى 190 ألف طن، مدعومة بارتفاع الطلب في الأسواق الأوروبية والأمريكية. كما شهدت المنتجات التحويلية الفلاحية، مثل المعلبات والعصائر، تطورًا مهمًا، مما يعكس تنامي الصناعات الغذائية المرتبطة بالفلاحة.
تحديات القطاع الفلاحي في المغرب
رغم هذه الإنجازات، لا يزال القطاع الفلاحي المغربي يواجه تحديات كبرى، أبرزها تقلبات المناخ التي تؤثر على الإنتاجية بشكل مباشر. فقد شهدت بعض المناطق، مثل مراكش والحوز، تراجعًا في منسوب التساقطات بنسبة 30%، مما انعكس على المردودية الزراعية، خصوصًا في الزراعات البعلية التي تعتمد بشكل كبير على الأمطار.
كما أن ندرة الموارد المائية تشكل إحدى التحديات الرئيسية، حيث يقدر العجز المائي بحوالي 2.5 مليار متر مكعب سنويًا، مما يستدعي تبني استراتيجيات جديدة للحفاظ على المياه، مثل تعميم تقنيات الري بالتنقيط وتطوير السدود التلية. من جهة أخرى، لا تزال الفلاحة المغربية تعاني من ضعف التمويل، حيث يواجه صغار الفلاحين صعوبات في الحصول على القروض الفلاحية، مما يحد من قدرتهم على تطوير مشاريعهم والاستثمار في تقنيات حديثة.
السياسات الحكومية لدعم الفلاحة
تبنت الحكومة المغربية خلال سنة 2024 عدة إجراءات لدعم القطاع الفلاحي، في إطار مخطط “الجيل الأخضر”، الذي يهدف إلى تعزيز الأمن الغذائي وتحسين مردودية الفلاحين. من بين أبرز التدابير، دعم الانتقال نحو الفلاحة الذكية، من خلال تخصيص 5 مليارات درهم للاستثمار في تقنيات الزراعة الرقمية، مثل استخدام الطائرات المسيرة لمراقبة المحاصيل، والاستشعار عن بعد لتحليل جودة التربة.
كما تم تخصيص دعم مباشر لصغار الفلاحين، بقيمة 1.2 مليار درهم، لتحسين ولوجهم إلى التمويل الفلاحي، مما يساعدهم على اقتناء معدات حديثة وتحسين الإنتاجية. كما تم إطلاق مشاريع لتحسين البنية التحتية الفلاحية، مثل بناء وحدات تخزين مبردة بسعة إجمالية تفوق 500 ألف طن، لمواجهة تقلبات السوق وضمان استقرار الأسعار.
آفاق مستقبلية لتنمية الفلاحة المغربية
تمثل الفلاحة المستدامة خيارًا استراتيجيًا لمستقبل القطاع، حيث تسعى الحكومة إلى تعزيز استخدام الطاقات المتجددة في الضيعات الفلاحية، مثل الطاقة الشمسية، لتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري وخفض تكاليف الإنتاج. كما يتم تشجيع الزراعة العضوية، حيث من المتوقع أن يصل عدد الضيعات البيولوجية إلى 2500 ضيعة بحلول سنة 2030.
من جهة أخرى، تسعى السلطات إلى تطوير الشراكات بين القطاعين العام والخاص، بهدف تحسين الخدمات الفلاحية وتطوير البحث العلمي في المجال الزراعي. ويظل الهدف الرئيسي هو تحقيق اكتفاء ذاتي في المواد الغذائية الأساسية، مع تعزيز مكانة المغرب كقطب فلاحي على الصعيدين الإفريقي والدولي.
على سبيل الختم
يبقى القطاع الفلاحي في المغرب محوريًا في دعم الاقتصاد الوطني، حيث يحقق نتائج جيدة على مستوى الإنتاج والتصدير، لكنه يواجه في الوقت نفسه تحديات تتطلب حلولًا مبتكرة ومستدامة. ومن خلال تطوير السياسات الداعمة، وتعزيز البحث والابتكار، وتحسين إدارة الموارد الطبيعية، يمكن للمغرب أن يعزز مكانته كفاعل رئيسي في المجال الفلاحي إقليميًا ودوليًا.