تقديم:
قبل البدا في تحليل مقالنا، لابد من أن نعرف من هو الاستاذ الاكاديمي حسام الدين الفياض. وهو أكاديمي باحث سوري أستاذ مُساعد في النظرية السوسيولوجية المعاصرة (دكتوراه دولة). كذلك باحث أكاديمي في العلوم الثقافية واللغويات واللسانيات الاجتماعية، وله عدد من المؤلفات السوسيولوجية؛ (سلسلة نحو علم اجتماع تنويري)، بالإضافة إلى العديد من الأبحاث العلمية والمقالات الفكرية التي تجمع بين النظرية السوسيولوجية والفكر الاجتماعي والثقافي النقدي المعاصر مثل:
(المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزبرج)، (القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع العربي المعاصر)، (وجهات نظر في نظريات علم الاجتماع المعاصر (دراسة تحليلية – نقدية).
اذن التأصيل التاريخي للحقوق الانسان يعود لعصور قديمة النشأة، فهو ليس ليست مفهوماً حديثاً، بل تمتد جذورها إلى العصور القديمة، حيث مرت بتطورات تاريخية متعددة حتى وصلت إلى شكلها الحالي في المواثيق الدولية. يمكن تقسيم هذا التطور إلى عدة مراحل رئيسية:
الحقوق في الحضارات القديمة في بلاد الرافدين أقدم القوانين المكتوبة مثل شريعة حمورابي (حوالي 1754 ق.م) التي نصّت على بعض الحقوق، لكنها ميزت بين الطبقات الاجتماعية.
مصر القديمة:
تميزت بعض الفترات باحترام حقوق الأفراد، مثل حق الملكية والتنقل…
اليونان وروما:
في أثينا، وُضعت أسس الديمقراطية المباشرة، لكن الحقوق كانت مقتصرة على المواطنين الذكور فقط. أما في روما، فقد اعترفت قوانين “الألواح الاثني عشر” (451 ق.م) ببعض الحقوق القانونية، لكنها لم تكن شاملة.
أما الفكر الديني وحقوق الإنسان في الديانات السماوية (اليهودية، المسيحية، الإسلام)، برزت مبادئ العدالة والمساواة وحماية الضعفاء، الإسلام، على سبيل المثال، أكد على كرامة الإنسان وحقوقه الأساسية في القرآن الكريم والسنة النبوية، مثل حق الحياة والعدل والمساواة.
العصور الوسطى وأوروبا الإقطاعية:
ظلت حقوق الإنسان مقيدة بسبب الأنظمة الإقطاعية والكنيسة، لكن ظهرت بعض المحاولات لحماية الحقوق، مثل الميثاق الأعظم (Magna Carta) في إنجلترا عام 1215، الذي حدّ من سلطة الملك وأرسى بعض الحقوق الأساسية للنبلاء.
عصر النهضة والتنوير بدأ الفكر الإنساني بالتركيز على الحرية والمساواة مع فلاسفة مثل جون لوك وجان جاك روسو، الذين دعوا إلى العقد الاجتماعي وحماية الحقوق الطبيعية، والثورة الأمريكية (1776) والثورة الفرنسية (1789) عززتا مفاهيم الحرية والمساواة وأنتجتا وثائق مثل إعلان استقلال الولايات المتحدة وإعلان حقوق الإنسان والمواطن في فرنسا.
القرن العشرون والتدويل الرسمي لحقوق الإنسان بعد الحربين العالميتين، أدركت الدول أهمية حماية حقوق الإنسان على المستوى الدولي، مما أدى إلى إنشاء الأمم المتحدة (1945) واعتماد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948)، الذي أصبح حجر الأساس للحقوق المعترف بها عالميًا. وتبع ذلك تطوير مواثيق واتفاقيات أخرى مثل العهدين الدوليين للحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية (1966).
في مقاله بدأ الاستاذ بتحدث عن الكرامة هي حق الفرد في أن تكون له قيمة وأن يحترم لذاته، وأن يُعامل بطريقة أخلاقية.
وإن محتوى الكرامة المعاصرة مستمد من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948، والذي يلخص في المبدأ القائل بأن لكل إنسان الحق في الكرامة الإنسانية. ففي المادة الأولى، ينص على أن جميع الناس يولدون أحراراً ومتساوين في الكرامة والحقوق.
وقد وهبوا العقل والضمير وعليهم أن يعاملوا بعضهم بعضاً بروح الإخاء. والتي تعتبر من بين اساسيات حقوق الانسان، اضافة الى العيش الكريم، حق الحياة، حق التمدرس…./
بعد ذلك وضع للفكر الانساني خطا زمنيا باعتباره فكرا إنسانيا كان متواجد منذ القدم تصور مجتمع مثالي تتحقق فيه العدالة الاجتماعية والمساواة، لكنها ظلت محاولات طوباوية لا تمت للواقع بصلة، وفي العصور الحديث سعت العلوم الإنسانية والاجتماعية إلى توضيح وتفسير قيمة المساواة وأهميتها في حياة المجتمعات الإنسانية بالتوازي مع الإنجازات العلمية والاقتصادية والسياسية التي حققها الإنسان في شتى المجالات.
وأن الشعوب على مر العصور تمنت تحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية، وأدخلت ذلك في مذاهبها ورؤياها الطوباوية، ثم في فلسفاتها، ونظمها الدينية والأخلاقية، والقانونية.
إلا أن المساواة والعدل مازالا بعيدين المنال ما دام في القرن الواحد والعشرين هناك اغتصاب لحقوق الإنسان وجرائم مرتكبة ضد إنسانيته والشاهد على ذلك ممارسات الأنظمة الاستعمارية والاستبدادية النظام الأسدي القاتل في سوريا، والكيان الصهيوني المجرم في فلسطين المحتلة (غزة).
وبالرغم مما حققه الكائن البشري العاقل من تقدم مذهل في المجالات المادية والعلمية والتكنولوجية، إلا أنه بالمقابل فشل فشلاً ذريعاً في تحقيق إنسانيته المهدورة التي تتجزأ حسب انتماءاته وثقافته التي ينتمي إليها، فإنسانية الإنسان المتحضر حسب المركزية الأوروبية تختلف عن إنسانية بقية المجتمعات من حيث الكم والكيف والدرجة وهذا ما ذهبت اليه النظريات الانثروبولوجية مثل التطورية التي وظفت النزعة المركزية على الشعوب البدائية ما وراء البحار.
والإذلال الاجتماعي بنسبة اليه social humiliation هو الشعور بالخجل أو فقدان الاحترام للنفس، وهو إذلال الكبرياء الإنساني مما يؤدي إلى حالة من الانحدار والخضوع في كرامة الانسان. حيث يشعر الانسان بانخفاض مكانته الاجتماعية والانسانية، إما بالقوة أو طواعية.
ويمكن أن يحدث من خلال الترهيب أو سوء المعاملة الجسدية أو العقلية أو الخداع أو الإحراج إذا تم الكشف عن أن الشخص قد ارتكب فعلاً غير مقبول اجتماعياً أو قانونياً. في حين يمكن البحث عن التواضع وحده كوسيلة لتقليل من أهمية الأنا، يجب أن ينطوي الإذلال على شخص أو أشخاص آخرين، وإن لم يكن بالضرورة بشكل مباشر أو طوعي خلاصة القول لحسام الدين: الإذلال هو الفشل العلني في تحقيق مطالب المرء بمكانته.
الإذلال نعتبره هو سلوك يمارسه فرد، أو جماعة، أو سلطة، بحق آخرين، أفراد أو جماعات، وحتى دول أخرى، بهدف التقليل من قيمة المذل وتبخيسه، والحط من كرامته وغالباً ما يقع الإذلال في الوجه الآخر للغطرسة، أو لجنون العظمة فالشخص المتعجرف هو الأكثر مثل ما تقوم به الدول الغربية على الدول العربية بإهانة كرامتهم.
فالميل لإذلال الآخرين والإذلال في المجتمعات المستبدة يكون فيها منهج متعمد ومعمم، وقانون لعلاقة السلطة بمواطنيها، فإنه يصبح تعويضاً للذات المحتقرة، وآلية لتخفيف وقع المهانة التي تلحق بهذه الذات من أطراف أخرى، هكذا تصبح القدرة على الإذلال معياراً لقيمة الشخص، وإثباتاً لوجوده ولأهميته.
وبذلك يعتبر الإذلال موضوعاً بحثياً حيوياً في وقتنا المعاصر، وينظر إليه الآن باعتباره ديناميكية أساسية مهمة – ومعقدة – في العلاقات الإنسانية، ولها آثار على المستويات الشخصية، والاجتماعية والثقافية والسياسية.
وإن فقدان المكانة، مثل فقدان الوظيفة أو اتهامك بالكذب أو تشويه سمعتك بشكل جائر، قد يتسبب في عدم قدرة الأفراد على التصرف بشكل طبيعي في مجتمعاتهم.
ويمكن استفزاز الأفراد المهانون ورغبتهم في الانتقام، وقد يشعر بعض الأشخاص بعدم القيمة واليأس والعجز، مما يخلق أفكاراً انتحارية أو الانعزال الاجتماعي إذا لم يتم تحقيق العدالة، ويمكن أن يؤدي أيضاً إلى رؤى جديدة ونشاط وقرابة جديدة مع المجموعات المهمشة اجتماعياً.
وعلى العموم فالإذلال بشكل عام ينتج كردة فعل غضباً مذلاً حسب حسام الدين الفياض، وعندما يتحول إلى الداخل يمكن أن يؤدي إلى اللامبالاة والاكتئاب، وعندما يتحول إلى الخارج يمكن أن يؤدي إلى جنون العظمة والسلوك السادي وأوهام الانتقام وممارسة العنف ضد ضحايا إضافيين، بما في ذلك المارة الأبرياء، وعندما يتم توجيهه إلى الداخل، فإن كراهية الذات الناتجة تجعل الضحايا غير قادرين على تلبية احتياجاتهم الخاصة، ناهيك عن عدم امتلاك الطاقة المتاحة لحب الآخرين ورعايتهم.
قراءة تحليلية من طالب باحث في علم الاجتماع والعمل الاجتماعي: عبد الجليل لفغاني.